نبيل فكري .. يكتب: كيف تزرع 100 مليون شجرة.. «في السر» ؟
كم هي رائعة المبادرات .. كم هي مذهلة النوايا .. كم هي مدهشة الخطط، على الورق، غير أن الأمر في العلن، غير ذلك تماماً.
أفهم وأقر وأقدر أن مبادرة رئاسية، حين نطلقها، على الجميع أن يكونوا أهلاً لها، وأن يدركوا أن الناس، تسمع وترى، فلا يمكن أن يحدث شيء في السر.
وأنا أقرأ نبأ توجيه السيد وزير التنمية المحلية لقطاعات التفتيش والمتابعة وتقييم الأداء والتخطيط الاستراتيجي بالوزارة «مسميات تخُض» للقيام بحملات تفتيشية لمتابعة ما تمت زراعته بالمرحلة الأولى للمبادرة الرئاسية لزراعة 100 مليون شجرة.
عندها .. عندها فقط .. تذكرت أنني قرأت يوماً عن هذه المبادرة .. عندها، عندها فقط، تذكرت أنني لم ألحظ في طريقي المعتاد ولا في طرقي غير المعتادة شجرة جديدة، إن لم ألحظ وأد الأشجار في مدينتي دمنهور، قطعوها في أكثر من مكان، وكان ذلك بالتزامن مع المبادرة.
الأرقام التي تم الإعلان عنها في الخبر، تستحق وقفة، فوزارة التنمية المحلية وحدها ( يعني المحافظات ومجالس المدن والأحياء) ستزرع 80 مليون شجرة، على مدار سبع سنوات، والبيئة، والإسكان ستزرعان الـ 20 مليون شجرة الباقية، والتكلفة الإجمالية المقدرة لهذه المبادرة 3 مليارات جنيه، وما تم توريده وزراعته بالفعل 7 ملايين و600 ألف شجرة .. «واخد بالك من الرقم .. طب شفت شجرة واحدة من السبعة مليون و600 ألف دول؟» .. شفتها حواليك في مدينتك أياً كنت .. وإن قالوا إنها في الطرق الصحراوية والدولية، فأنا أرتاد الكثير من الطرق ولم ألحظ شيئاً.
يا سيادة الوزير، نحن نثق فيك، ونثق في عظمة المبادرة، لكننا لا نثق في بعض من يقومون عليها .. أولئك الذين اعتادوا «تستيف الورق» .. أولئك الذين تحولت الأرض الزراعية على أيديهم إلى غابات من الأسمنت .. أولئك أعداء الحياة، ليست لديهم القدرة على الزرع والحياة.
ربما تمت زراعة أشجار هنا أو هناك، لكن مثل هذه الأخبار يجب أن نراها .. أن نحسها .. أن نتكلم نحن عنها، قبل أن تطالعنا بها الصحف .. نراها خضاراً في الأرض وعمالا يستبدلون الأسمنت بالحياة .. نشمها هواء، ونحسها نسيما يسري في رئة الوطن، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، وفي مدينتنا دمنهور على سبيل المثال، يبدو الأمر، وكأنهم يزرعون «التراب»، ليحصدوه كلما أتت الرياح، غباراً ووهناً وبؤسا.
يا سيادة الوزير: نقدر نواياك وسعيك للنجاح، لكننا لم نر شيئاً من أشجار الكافور والكونوكاربس والبرتقال والجوافة والزيتون والبالونيا والحور الأبيض والماهوجي والليمون والرمان، وهي الأنواع التي تقولون إنكم زرعتم منها سبعة ملايين و600 ألف شجرة.
شخصياً أرى هذه المبادرة من أعظم المبادرات في بلادي، ولا تقل أهمية عن مبادرة 100 مليون صحة، وغيرها، إن لم تكن أهم، وطالما أنها كذلك، فيجب أن تكون مشروعاً قومياً، كلنا حرَّاسُه، ومن واقع ذلك، أقر وأشهد أنني لم أصادف شجرة جديدة، كما أقر وأشهد أن أحد الميادين في بلدي، زرعوا به الأشجار، ولما بدأت «المبادرة» خلعوها.